الشهيد خليل قصاب … الانسان القومي والفنان عباس احمد
Warning: Undefined array key "tie_hide_meta" in /customers/d/7/f/afkarhura.com/httpd.www/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/meta-post.php on line 3
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /customers/d/7/f/afkarhura.com/httpd.www/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/meta-post.php on line 3
الشهادة مرتبة عالية لا يصلها أي فرد الا من كان قلبه مفعما بالإيمان بالله وقضية شعبه العادلة ويتحلى بالأخلاق الفاضلة , والشهادة في سبيل المبدأ والفكر القومي في العراق عامة ومناطق توركمن ايلي خاصة هي شهادة أرواح مصبوغة بلون تركماني أصيل كما هي صبغة كركوك التركمانية وصبغة جميع مناطق توركمن ايلي من أعالي تلعفر الى مندلي وزرباطية والعزيزية .
الشعب التركماني النبيل الذي تمتد جذوره في الأرض العراقية الطيبة الى ما قبل أكثر من ستة ألاف سنة من ألان , كان من المنابع الرئيسية لطيور الجنة وساكنيها عبر قوافل الشهداء الذين قدمهم وما يزال يقدمهم بكل كرم وجود على طريق طويل نجوما وقرابين على مذبح حريته وانتزاع كافة حقوقه المشروعة .
وروى التركمان بدماء شهدائهم تراب ارض العراق , لتكون هذه الدماء قناديل ومشاعل أضاءت وما تزال تنير دربه القومي الأصيل .
من الأرواح الخيرة التي أصبحت عصافير الجنة من الشهداء التركمان وتطير في سمائها بكل فرح وسرور نتحدث اليوم عن شهيدين اخرين التحقا بقافلة الشهداء التركمان وهما خليل قصاب ونجله الشاب ارجمان خليل قصاب .
أبصر الشهيد خليل جاسم قصاب نور مدينته كركوك التي أحبها حبا جما في محلة المصلى عام 1952 , وأنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها , ولكونه كان يمتلك موهبة ربانية فطرية في الخط والرسم وأبدع فيهما كثيرا , لذا أراد ان يلتحق بمعهد الفنون الجميلة في اسطنبول لصقل مواهبه وتنميتها لما لهذا المعهد من شهرة دولية عالية وتخرج منه العديد من الخطاطين والرسامين المبدعين , لكن الظروف بأوجهها الكالحة العديدة حالت بينه وبين الالتحاق بالمعهد وتحقيق أمنيته الغالية .
كانت معرفتي بالشهيد شخصيا منذ بداية عام 1969 ووجدت فيه الانسان الشاب المؤمن المليء بالروح القومية الحقة والطموحات التي لا حدود لها من اجل رفعة وسمو شعبه التركماني النبيل .
حديثنا عن الشهيد خليل قصاب سيكون توليفة مقبولة لديكم ان شاء الله نقدمها انا ( كاتب السطور ) وذكرياتي العديدة عنه ومعه ومن قبل ابنه البكر ( جان ) .
في أواخر ستينيات القرن الماضي وبدايات سبعينياته انخرط الشهيد مع زملاء له في الفرقة القومية التركمانية ( مللي طاقم ) في الهلال الأحمر ( قزل أي ) قسم الفنون الفلكلورية – الدبكات الشعبية التركمانية , وكان معه انذاك كوكبة خيرة من المثقفين والشعراء والفنانين التركمان .
وكانت تلك الفترة مهمة وحساسة للشعب التركماني فقام هو وزملائه ( المرحوم إسماعيل عزت دباغ اوغلو وغيرهم من شباب المصلى ,وكاتب السطور مع آخرين من الناشطين القوميين في القورية وتسن وطريق بغداد ) بتأسيس تشكيل قومي وبالدرجة الأساس للتوجه نحو الشباب التركماني لحمايتهم من الافكار والعقائد الموجودة على الساحة انذاك وايمانا بان قضية شعبنا التركماني تحتاج الى عمل منظم , وقد كان للشهيد خليل قصاب الريادة في ادارة التشكيل وتمويله ماديا .
وبعد قرار منح الحقوق الثقافية للتركمان في عام 1970 ( بالرغم انها كانت شكلية فقط ) الا ان في عام 1971 منعت الحكومة الدراسة باللغة التركمانية وأغلقت مدارسها , ليعلن الطلبة التركمان ( الاضراب الطلابي الشهير ) في بداية تشرين الثاني سنة 1971 , وتمكن الرواد والشباب من الناشطين التركمان ( الشهيد واحد منهم ) من جعل الاضراب شاملا للمدارس والمعلمين والموظفين وأرباب العمل , ليأتي خبر اغتيال الشهيد ( تمبل عباس ) كصدمة كبيرة لأهالي كركوك .
ويوضح الاستاذ توركيش مختار اوغلو مدير تلفزيون TERT عن الشهيد بانه كان قوميا شجاعا ويملك أرشيفا كبيرا من الوثائق والكتابات عن تاريخ الشعب التركماني وفلكلوره وثقافته .
أما السيد غانم مختار اوغلو فيقول عن ذكرياته مع الشهيد بان خليل قصاب كان منذ صباه فنانا شاملا في الرسم والنحت والخط والدبكات الفلكلورية , ويضيف مختار اوغلو بان الشهيد كان قوميا أصيلا وكنا سوية ضمن تشكيلات الطلبة التركمان خلال سني الدراسة , وايضا شاركنا معا في الفرقة القومية ( مللي طاقم ) للدبكات وسجلنا في تلفزيون بغداد العديد منها مثل ( قصاب هواسي ) وغيرها تحت اشراف المدرب صباح سعيد وبادارة الاستاذ صلاح نورس , علما انه تم مشاركتنا في جميع حفلات نادي الاخاء التركماني ( قارداشلق ) في بغداد والموصل وتلعفر .
ويقول الاستاذ جان ( ابن الشهيد ) حدثني الاستاذ القدير الحاج كمال قائلا كنت مدرسا في ثانوية المستقبل آنذاك وقد أحسسنا باننا نحتفل بأخر عيد معلم قبل إلغاء الدراسة التركمانية وكنت معجبا بمجموعة من الشباب التركمان الناشطين ( وأبوك الشهيد من ضمنهم ) وزاد إعجابي كثيرا حين علمت انه خطاط ورسام ماهر , ولا أنسى انه قدم لي لوحة مخطوطة بخط يده (( لا تحزن ان الله معنا )) حينها أدركت ان الشاب خليل جاسم سيكون له شانا كبيرا في المستقبل .
وبعد هدوء الأوضاع نسبيا عقب الاضراب الطلابي عاد الشهيد مع مجموعة من زملائه بإعادة الحياة الى العمل القومي السري , فأقدم على تأسيس فريق شعبي بكرة القدم في منطقة المصلى ( على غرار فريق أسكي شهر في منطقة صاري كهية ) و اسماه فريق ( مللي طاقم ) الشعبي لكرة القدم على أطراف ( جاي قراغي ) وقد شارك كاتب السطور في مناسبات عديدة معهم خلال المباريات او المحاضرات القومية التي كانت ترافق الفريق في مبارياته سواء داخل كركوك او في الاقضية والنواحي والقرى القريبة من كركوك , وكانت محاضرات هذا الفريق الشعبي تتركز على تاريخ الشعب التركماني وكيفية
المحافظة على اللغة التي هي من أهم مقومات القومية الحقة .
لقد ربى الشهيد أولاده على حب القومية وأرضعهم حليب الإخلاص والوفاء والايمان بالله ومن ثم بالشعب وكان يردد ( وولديه ما زالا فتيانا ) ان الله رزقني ولدين وانا أهب احدهما شهيدا للشعب وقد صدق عندما وهب ابنه ارجمان شهيدا معه في نفس اليوم ونفس المكان .
وكان الشهيد مؤسس ( اتحاد الحرفيين والتجار التركمان ) في توجه قومي من اجل لم شمل اهل حرفته وابناء منطقته وتوحيد جهودهم في خدمة التركمان ووضع ماله الخاص في خدمة الاتحاد الذي كان رافدا من الروافد لخدمة القضية التركمانية .
في هذه السطور الأخيرة أفسح المجال كاملا لابنه البكر جان ليتحدث عن استشهاده فيقول :- كثرت أحاديثه في الايام التي سبقت استشهاده عن الشهادة والشهداء وعلو منزلتهم عند الله وكأنه يعد العدة للرحيل ويبلغنا عن قرب استشهاده , ففي صباح يوم الثلاثاء 13 / أيلول / 2005 وبعد ان صلى هو وأخي ارجمان خرجا طلبا للرزق كالمعتاد الى سوق الغنم , وبينما هم عائدون الى محل القصابة فإذا بمجموعة من القتلة يقطعون عليهم الطريق ويرشقونهم بوابل من الاطلاقات لترتفع ارواحهم الى الباري عز وجل للالتحاق بإخوانهم الشهداء عند رب العزة .
فقدنا خليل الانسان والجسد لكن خليل الشهيد ما يزال وسيبقى بيننا بفكره القومي وأماله بمستقبل مشرق للشعب التركماني النبيل .
مرتبط