قراءة في بعض أغراض الشعر التركماني الدکتور فاروق فائق كوبرلو
Warning: Undefined array key "tie_hide_meta" in /customers/d/7/f/afkarhura.com/httpd.www/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/meta-post.php on line 3
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /customers/d/7/f/afkarhura.com/httpd.www/wp-content/themes/sahifa/framework/parts/meta-post.php on line 3
ومن الثوابت الراسخة في شعرنا التركماني أن ( عماد الدين نسيمي البغدادي ) ( 1339م – 1417م ) وهو اول الشعراء التركمان الذين وصلتنا نتاجاتهم المكتوبة في القرن الرابع عشر الميلادي وهكذا تكاد ان تكون الصلة معدومة او شبه معدومة بالشعر التركماني قبل ( نسيمي ) وعلى الرغم من صعوبة تحديد الولادة الحقيقية للشعر التركماني فاننا نجدر الأشارة الى كتاب ( روضة الشعراء ) للشاعر التركماني ( عهدي ) في القرن السادس عشر الميلادي هناك شعراء التركمان اختلطت أسماؤهم وأشعارهم مع شعراء العثمانين أمثال نسيمي وعلي شيرنواى ( 1441م – 1501م ) وفضولي ( 1495م – 1556م ) و ( روحي البغدادي ( 1458 – 1605 ) حيث مثلوا الشعر التركماني عبر القرون خير تمثيل لذا يخطئ من يظن ان الشعر الحديث منفصل عن الشعر القديم فحين ندرس الشعر في هذا العصر يجب ان نشير الى مئات السنيين هناك كانوا أدباء خدموا تراثنا الثقافي ومسيرته الادبية بدأت من اعماقهم وتجاربهم وامتدت الى عصرنا هذا , اذن الشعر الحديث وارث الشعر القديم بلا منازع وفي كل عصر كانت موضوعات للشعر تعبر عن الظروف الاجتماعية وبيئة الشاعر وأبناء جلدته وهكذا توالت المشاهد الثقافية ومشارب الكتاب الفكرية والاسلوبية في كل الازمان والمكان لان الشعر كان لصيقاً وسجلاً لتراثنا وناطقاً عاى ابناءنا ويمثل الجانب الأبداعي من حياتنا وما تجود به قرائح ابناء شعبنا من شعراء وكتاب وتقرأ تاريخ اجدادنا العظام من خلالها نتعرف على همومهم وقضاياهم ومجالسهم وشواخصهم وكلمَا تتحضر الحياة يزداد الوعي وتظهر موضوعات ونهضة ادبية جديدة في تلك الفترة وشعرنا التركماني في أكثر شواهده كان غنائياً وجدانياً ومن اغراضه الغزل , الوصف والرثاء – والفخر , والتصوف – النصح والارشاد – حب الأرض والوطنية الجامحة لذا نجد الأغراض التي يتناولها الشعراء القدامى كانت فردية ومحدودة وفي حين ان بعض الاغراض في عصرنا هذا قد أختلفت مفاهيمها ومضامينها فاصبحت تهم الفرد والمجتمع التركماني وتعددت الأغراض وأستجدت في الشعر موضوعات غير معهودة ومنها الاصلاح الاجتماعي حيث نجد بعض الشعراء امثال ( مصطفى كَوك قايا , ناصح بازركَان – حسن كَوره م وفلك اوغلو و شمس الدين توكمن اوغلو وغيرهم ) تكرست قصائدهم لخدمة المجتمع التركماني وما يعانيه من فقر وأمراض وويلات أجتماعية واختصوا بغرض ( النصح والارشاد ) على الناشئ وفي قصيدة ( فلك اوغلو ) نقرا مقطعا منها يقول ( من لم يفهم من القيثارة لايجد به الكلام ….. وحين تنحدر المياه من الآعالي تجري سريعاً ) وفي قصيدة اخرى يقدمها الى الاجيال المتعاقبة فيقول (( لا تؤجل عمل اليوم الى الغد … كي لا يذهب يومك سُدى … اذ ْ ليس للفلك الدوَار قرار … )) او موضوعات سياسية تطالب بالاستقلال وطرد المحتلين المارقين وصور شعرائنا كل ما يهم حياتنا وشعبنا في اشعارهم بالصدق والنزعة الأنسانية في كافة اغراض الشعر … حاول شاعرنا ( فضولي البغدادي ) ان يقدم خلال صورة ممد وحية النموذج الكامل بثقافة السلطان سليمان القانوني لكونه رجلا شاعراً وفاتحاً حيث مدح عظمته واقتربت هذه الصورة المثالية للرجل الفاضل الذي يدعو الى مكارم الاخلاق وهي الخصال التي ينبغي توفرها في ممدوحه . حيث نال غرض ( الفخر ) حظا وافراً وحيزاً في اغراض الشعر التركماني ليجمع فيه المفاخر والمآثر من تهيئة الجو المناسب لمواجهة الخصوم وقد حفل ديوان الشاعر محمد عزة الخطاط (( شاعر الشعب التركماني )) بنماذج شعرية يفتخر شعبه ويتغنى بأمجادهم و ملاحمهم البطولية وفي قصيدته الرائعة ( أنشودة الوطن ) ترجمها الاديب وحيدالدين بهاء الدين حيث يشد :
( عراقيون نحن … لنا في التاريخ شأن … ليس العدو بقادر أبداً على النيل منا … ةالى ايدى الغرباء لا سلم الوطن … ولو تمزقت اجسادنا من أجله اشلاء) هذه هي الايمان بتراب الوطن والحفاظ على مقوماته ومقدساته , هناك غرض اخر هو ( الوصف ) وما حفل دواويين شعرائنا من اوصاف بليغة وتنطوي فيها من تشبيهات مستخدمين كافة ضروب البلاغة والبيان مع قوة التعبير والأداء , يصفون مدينتهم الشرعية كركوك المقدسة التي تتعالى بالزهو ،ومن اديمها الذي اطلق عبق الحروف الاولى المطعمة بنكهة التاريخ والحضارة ونجد في قصائد الشعراء ( د. نصرت مردان – د. محمد عمر قازانجي – المرحوم قحطان الهرمزي منور ملا حسون نسرين اربيل رمزي جاويش – حسن كوثر … شيرزاد بابا لوغلو – عباس احمد وغيرهم ) تتجلى روح العشق الأسطوري الافلاطوني ويصل حتى الموت فيقول الشاعر قحطان الهرمزي (( حبيبتي وحيدة … بعيدة … اخاديد وجهها تتناسل … وشعرها يكسوه البياض … ايامها حبلى بالاوجاع … كركوك كانت مشنوقة هناك اتحسبون ؟ سهلاً ان يشنق انسان ؟! )). وغرض ( الغزل ) بصفته اول الاغراض الشعرية التي تغزل الشعراء التركمان وعرف بالغنائية العذبة التي توحي الروح غذاء ما بعده غذاء واخذ هذا الغرض حجماً كبيراً في خارطة الشعر التركماني وحمل لواءها شعراء قدامى ومعاصرين امثال الشعراء ( خضر لطفي – اسعد النائب – محمد صادق – عثمان مظلوم – فهمي نائب – عريان ولي – علي معروف –رضا جولاق حسن كوثر – عبدالعزيز البياتي – صباح طوزلو، اديب عسكر فلاح محبت،رجب بربر … وغيرهم عبروا عن قلوب ولهى ومشاعر لاهبة مؤطرة بالعفة والطهارة والحرمان والامل المرتجى والنهاية المحزنة وربما دخل الحب العذري الى ضرب التصوف لنقرأ سوية من غزل الشاعر ( عثمان مظلوم ) رائد شعر الغزل في الادب التركماني الحديث بدون منازع مستخدماً كافة ضروب البلاغة والاستعارة وبديع الخيال و وحدة العضوية وجمال اللفظ : ويقول:
( اكشفي ايتها الزهرة عن الوانك الجذابة … هو ذا البلبل الغريد في اغصان الزهور انني عاشق وهذا صحيح … لكني برئ فـ ( طاهر ) شهرة واسعة عندنا … وترى الف فرهاد عندنا … فليس في الدنيا من يشبهني … ( مجنون ليلى ) لا تحدثني عنهما )) هناك غرض آخر أستخدم شعراءنا بشكل ملموس وهو غرض ( الرثاء ) مستذكرين محاسن موتاهم وصفاتهم ومكانتهم الأجتماعية وشخصيتهم القومية بوضوح المعاني السامية والعاطفة الصادقة وكتبوا رثاءاً للشهداء وخاصة شهداء مجزرة كركوك الرهيبة في 14/تموز/1959 ودشنوا مقابر الشهداء بحروف الوفاء والخلود بلغتهم التركمانية وفاءً لما قدموا وجادو بالنفس لاجل ان تكحل عيون اطفال التركمان ومن شعراء ما كتبوا كثيراً بهذا الغرض محمد صادق – محمد عزت – علي معروف اوغلو – صلاح نورس – – ومن الجيل الجديد ( غانم رشاد , عمر صابر توركمن اوغلو – اشرف داغلى – شاهين داي قادر , لنقرأ قصيدة الشاعر ( محمد صادق ) يرثى شهداء التركمان ويرمزهم بالخلود ( شهادت على هامتي الرزيا … ولما ابرع شاباً … تناثر الشراب وتهشمت الكاس … لم اعد اتذوق طعم الحياة … كابوس اناخ على وحتى خنق صوتي … تساقط ابناء الوطن شهداء … دمائهم بانت اكفاناً لهم … وعم البلاد قحط وجدب ) :
( انظر كتاب من ادب التركمان ص 71 ) للاستاذ وحيد الدين بهاء الدين .
وسار غرض الهجاء مع غرض المديح وبشكل محدود في شعرنا التركماني فاصبحت قصائد بعضهم صدأ للحس الاجتماعي من حيث المداليل وتحديد السلوك الذي يأباه المجتمع وقصائدهم الهجوية اصبحت اداة لمحاربة الظلم والسياسة ومن الشعراءهم ( نفعي عثمان مظلوم ورضا الطالباني) اشتهر بهذا الغرض حيث هجا الأخير رجال السياسة وحتى هجا بني جلدته من دون خوف او وجل هجا أحد رجال الحكم المباد يومئذ بقصيدة ملمعة الذي جمع الى جانب الشعر التركماني اشعاراً عربية وكردية في ابيات استقل كل بيت بلغة في وحدة عضوية متماسكة
وهكذا بدات القصيدة التركمانية تشق طريقها بهذه الصورة وتواكب الحضارة ومتطلبات الحياة الجديدة وتناولت أغراض شعرية بخصوص الوطن والوطنية واصبحت قصائدهم جماعية في تعبيرها عن الشعب وهمومه وطموحاته وتنوعت الاغراض ذات مضامين اجتماعية وسياسية تخدم القضية التركمانية مصورة كل ما يهم حياتنا المعاصرة وأدابنا وانسانيتنا معبرين صفات تاريخنا المجيدة باجمل الصور وأبهى الُنوَر…
مرتبط