في ظل توارد أنباء إنتشار فيروس كورونا المستجد، وتجاوز وفياته الالاف ، وإتساع رقعة إنتشاره في كل بقاع المعمورة ، صرنا وعلى مدار الساعة نسمع بمصطلح الحجر الصحي والعزل او ( الكرنتينة ) والأخير كلمة انجليزية وتعني الحجر الصحي. وإذا كانت الكرنيتنة غريبة على جيل اليوم ، فإنها لم تكن كذلك لجيل الأمس الذي سمع بويلات الطاعون واخباره المروعة ، عن ابائه واجداده الذين أكتووا بنار الطاعون، أو سمعوها عمن عايشوا ويلاته وكانوا شهود عيان للاحداث التي عصفت ببغداد وعدد من مدن العراق ومنها كركوك في ربيع عام 1831 م . ففي عام 1831م حدث طاعون في بغداد ،وقد ظل المعمرون من أهلها يتحدثون عن مآسيه حتى عهد متأخر، وكان الموت يحصد الناس بالآلاف ويزداد كل يوم، حتى بلغ عدد الموتى تسعة آلاف في اليوم الواحد، وفي بغداد سوق يسمى ( سوق الجايف ) ويقع هذا السوق في الشورجة بين شارعي النهر والرشيد وهو متخصص اليوم ببيع القماش والشراشف، وهو انما سمي بهذا الأسم لأنه امتلأ بالموتى أثناء الطاعون وأشتدت النتونة فيه الى درجة لا تطاق، حسبما ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ومن طريف كنايات البغداديين ، ان الواحد منهم كان في بدايات القرن الماضي اذا رأى رجلاَ معمراً يقول : هذا فاطن علطواعين ، أي انه عاصر الطاعون وخرج منه سالماً.! وكإجراء احترازي للحيلولة دون انتشار رقعة الأوبئة أصدرت الدولة العثمانية في عام 1840 م نظام الكرنتينة ( الحجر الصحي ) والذي نص على تأسيس دوائر الحجر الصحي في الولايات العثمانية بالإضافة الى المنافذ الحدودية ومدن العتبات المقدسة، وتشكلت إدارة المجلس الصحي الأعلى في عهد السلطان محمود الثاني خاصة بعد انتشار الطاعون في العاصمة إسطنبول عام 1837م .
وشهدت الولايات العراقية خاصة بغداد افتتاح العديد من دوائر الحجر الصحي واشهرها، هي التي كانت تقع بالقرب من منطقة باب المعظم، وتسمى منطقة الكرنتينة لحد يومنا هذا، وتقع حاليا بالقرب من دائرة صحة الرصافة وكلية الهندسة سابقاً . كما عنى الوالي مدحت باشا في اثناء ولايته بافتتاح عدد من دوائر الحجر الصحي في مناطق السليمانية وراوندوز وخانقين ومندلي وفي مدن العتبات المقدسة والمدن الكائنة في الطرق الموصلة اليها لكثرة الزوار الإيرانيين الذين يفدون لزيارتها ، كما مُنع الإيرانيون من الحج الى الديار المقدسة عبر العراق مالم يتزودوا بشهادة السلامة الصحية من دوائر الحجر الصحي الموجودة على الحدود .
وفي كركوك ،كان ثمة مستشفى تسميه العامة بمستشفى العزل ، يقع خلف دائرة كهرباء كركوك القديمة ، وكان يعزل فيه المصابون بالأمراض المعدية ، وقد ذكر لي العلامة الراحل عطا ترزي باشي ، ان المغني الشعبي المعروف ( بازوانا ) كان راقداً فيه عام 1957 أثر إصابته بمرض السل، ومات به ، وأنه( ترزي باشي) زاره قبيل وفاته بأسابيع وحين ساله عن وضعه الصحي
أجابه ( بازوانا ) بهذا الخوريات :
قارشيدا جراغ يانار .. جراغ نه ايراغ يانار عجل بير شربت ويريب…. ايجتيغجه دوداغ يانار ….!
وقانا الله تعالى واياكم شر الطاعون والكوفيد 19 ، وكل الأمراض والاسقام المعروفة والتي لم تُعرف بعد …!