المناضل والسياسي.. بقلم نرمين المفتي

(المناضل والسياسي) مقالي في جريدة الصباح، عدد اليوم:

المناضل والسياسي..
نرمين المفتي
في كتابه (رحلة في دهاليز السياسة، تجربة التركمان في اطار المعارضة العراقية) يقول العقيد عزيز قادر صمانجي “واكتشفت بعد فترة طويلة من العمل السياسي ، بانني اتعامل مع الاحداث السياسية بروح نضالية وليس بقواعد اللعبة السياسية، وهناك فرق بين العمل النضالي والسياسي من حيث الطبيعة ، وبالتالي بين المناضل والسياسي، الاول يتمسك بالمثل والقيم والمبادىء الاخلاقية ويضحي من اجلها ولا يخضع للضغوط والمساومات والمغريات، ولا يستهدف المكاسب المادية والسلطوية، بينما السياسي الذي ليس له تاريخ نضالي ، غالبا ما يستغل ثمرة نضال المناضلين ويتصرف بنزعة انتهازية بهدف الحصول على مكاسب مالية وامتيازات بالوصول الى موقع ما في السلطة.” ولصمانجي الذي انضم الى صفوف المعارضة العراقية في بداية تسعينيات القرن الماضي، كتاب مهم عن المعارضة عنوانه(قطار المعارضة العراقية من بيروت 1991 إلى بغداد 2003) والذي كشف فيه تخبطات وخلافات الاطراف التي كانت ضمن المعارضة وارتباطاتها باجندات اجنبية وجهود كل طرف لاجل مصلحته ومصلحة صاحبه وهي التخبطات والخلافات التي استمرت بعد نيسان ٢٠٠٣ مما اوصلت العراق الى الوضع الفوضوي والفاسد..
ان تعريف صمانجي للمناضل والسياسي يفسر كل ما يراه العراقي من حوله ومصالح الكتل السياسية التي لا تقبل ان تتنازل عن مكاسبها ولا تقبل ان تنظر الى الشارع ومشاهدة متاعب العراقيين ومصاعب يومهم ولا تقبل ان تسمع كيف يشير اليهم العراقيون وكيف يصفونهم! اصبحت هذه الكتل بعد ان فقدت ثقة العراقيين بها، تصرح وتعرف مسبقا ان لا احد يصدقها، سوى السياسيين المنتمين اليها والمستفيدين منها.. لكنها قطعا استمعت الى بلاسخارت وهي تقول في احاطتها الاخيرة في مجلس الامن جملة اختصرت كل معاناة العراق وفوضاه المستمرة وهي “الطبقة السياسية في العراق تعمل ضدّ بلدها وضدّ شعبها”.. يالها من جملة بليغة وموجعة، لو كان قائلها عراقي من خارج هذه الكتل لتم توجيه مختلف التهم اليه..
ومرة اخرى هذا هو الفرق بين المناضل والسياسي، فألاول قطعا يخشى على تاريخه وسمعته وحين يتولى المسؤولية، اية مسؤولية، لن يبحث عن الامتيازات و(ارباح) المنصب، انما سيواجه الفساد الذي اصبح وبكل اسف اسلوب حياة البعض والذي قلت عنه بلاسخارت في احاطتها ان “الفساد سمة أساسيّة في الاقتصاد السياسي العراقي، وجزءاً من معاملاته وتعاملاتهِ اليومية”! بينما السياسي ، وهنا لا اعمم، فان مصلحة كتلته ومصلحته قبل اي شيء وفوق كل شيء.. هذا الفساد، الارهاب الداخلي، الذي لا يختلف في اضراره على العراقيين ونخره في المجتمع عن الارهاب الظلامي، انما يفوقه، لان الارهاب الظلامي تمت مواجهته والانتصار عليه، بينما فساد الارهاب يتمدد باصرار برغم كل التصريحات بالقضاء عليه وبرغم الهيئات التي تعمل على مواجهته..
لابد لهذه الكتل ان تنتبه الى الشارع وما يجري به، ولابد للامم المتحدة ان تتدخل بنصيحة ومشورة بعد ان قالت بلاسخارت في احاطتها ربما مالم تقله اثناء اجتماعاتها بهذه الكتل، وقطعا سيتقبل السياسيون هذه النصيحة او المشورة كي يستمروا ولكن بلا محاصصة كخطوة لمواجهة الفساد وعليهم ان يعرفوا ان استمرارهم يكمن باستعادتهم لثقة الشعب بهم من جهة واستعادة ثقة الكتل ببعضها البعض.. وآمل ان يصفن المسؤولون امام التعريف الذي اسلفته للمناضل والسياسي وان يصفنوا امام احاطة بلاسخارت..