قبل أن أدلي برأيي اردت ان انقل لكم مقتطفا من كتاب النهج السياسي لتركمان العراق للأستاذ أرشد الهرمزي يقول فيه:
(سألني محدثي في لقاء تلفزيوني: ماذا تغيّر في العراق، ماذا انحسر وما هو باق؟
وقد كان الجواب واقعيا بقدر ما هو مؤلم. في العراق حكومة وأحزاب ومدن وأنهار، ولكن هناك ما يفتقده الجميع، ألا وهي الدولة. فالدولة عقد اجتماعي وعندما يجمع القاطنون في أرض معينة على العيش سوية ويشعرون بالانتماء تظهر الدولة الى الوجود.
إن من اهم مقومات الدولة هي المؤسسات وسيادة القانون. فإذا قمتم بإزالة المؤسسات مثل الجيش وقوى الأمن والإعلام وسبل التواصل فإن أركان الدولة تهتز بشكل عميق. وإذا لم يتم الرجوع الى القانون دون تمييز وتغليب الأسس القانونية يظهر تعدد الأحكام وهذا ما لا ينسجم مع مفهوم الدولة.
لنضرب مثلا على ذلك، فَلَو فرضنا ان مجموعة أثنية لا تشعر بالاحترام إزاء الراية المرفوعة على السارية بدعوى انها لا تمثلهم، وإذا كانت المحاكم لا تصدر قراراتها باسم الشعب بل باسم مجموعة معينة فان انهيار الدولة أمر لا شك فيه).
إذاً لابد أن ينجح العصيان المدني من أجل العراقيين ومن أجل دولة مدنية مبنية على المساواة، والسبب الأهم في إنجاحها أنّكم خرجتم من أجل العراق والعراقيين بدون تمييز بين البشر أو بين طائفة أو عرق أو انتماء ما. نحن بلد الحضارات وتم اقتباس حضارتنا في انحاء شتى من العالم، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أننا لانفرق بين البشر مهما كان جنسهم وأن الحضارة هدفها الأول هو الانسان.
خرجنا من أجل المساواة في العدالة والمساواة في العمل والمساواة في المسؤولية والمساواة في المناصب الرئاسية والفرعية.
ولنبدأ بالضرورات:
اولا – أن تحضير دستور وقانون أساسي لا يكفي ما دامت هيبة الدولة لم ينلها الاحترام والصيانة، وإذا كانت المجموعات المختلفة تنتقي مواد معينة بذاتها للعمل بها دون الأخرى. في هذا النطاق نتمعّن في الدستور (الدائم) للدولة العراقية ونتساءل، أليست الدساتير عند الضرورة منفتحة على التغيير والتحديث. يمكن الإجابة على ذلك بالإيجاب.
اذن لماذا لا نرجع الى دستور عام 1925 فهناك فرق رهيب بين دستور 1925 والدستور الحالي الذي صدر بعد ثمانين عاما من صدور الدستور الأول. فقد اضطر الدستور الحالي إلى الإشارة الى المكوّنات العرقية والمذهبية والدينية والفوارق الطبقية خمسا وعشرون مرة، فالدستور يقول، أننا سنة وشيعة وعرب وكرد وتركمان وكرد فيليون، ويقول إن في هذا البلد مسلمون ومسيحيون ويزيديون وصائبة مندائيون وكلدان وأشوريون، ويستطرد أن هناك اللغات العربية والكردية والتركمانية والسريانية والأرمنية.
يعني ذلك أن مفهوم المواطنة قد اضمحل ليحل محله الانقسام بكل اشكاله وتفرعاته. في حين أن دستور العراق لعام 1925 وفِي مادته السادسة يقول إنه لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام القانون وإن اختلفوا في القومية أو الدين أو اللغة. ولكم ان تحكموا، أي من النصين يتطابق مع المفاهيم الحضارية والمدنية؟
ثانيا. – المشاكل التي تحصل في التعيينات هنا أو هناك وبدون عدالة وظيفية واضحة، والسبب في المشاكل هو أن الانسان العراقي لا يطمئن على مستقبله لحين الحصول على وظيفة في الدولة تحميه من الفصل وإنهاء الخدمة الذي يتعرض لها في القطاع الخاص، علاوة على ضمان شيخوخته براتب تقاعدي مجز يغنيه عن الحاجة إلى الناس. وهذا أساسا مغاير لقوانين الحضارة فيجب ان نطلب من الدولة ان تعطي لكل عراقي ان كان في القطاع العام او القطاع الخاص راتب التقاعد بعد دفع البدل للرجال لمدة 25 عاما و للنساء 20 عاما، حتى وان كانت المرأة ربة بيت، فهذا النظام متواجد في الدول المتحضرة وبهذا القانون سوف تنتهي مشاكل البطالة ويُفتح باب القطاع الخاص للعمل وتأسيس المعامل وغير ذلك ويكون نبراسا للتقدم من كل النواحي ويُقلّل من الاعتماد على النفط فقط، فلا يفكر الانسان العراقي ان يدخل عملا في القطاع العام الذي تتحكم فيه الدولة ، تصوروا ان التقدم من جميع النواحي يأتي من قبل القطاع الخاص لان الانسان العراقي يبدأ بالتفكير في فتح معامل وفِي فتح المعامل يقلل من البطالة و يبدأ الانتاج وتتقدم الدولة وينتعش التصدير وتقلّ الحاجة المفرطة إلى الاستيراد غير المجدي.
ثالثا – البدء في تحديث المدارس ومناهجها من المرحلة الابتدائية لتدريس أجيال جديدة لزرع ثمرة حب الوطن وأرضه وشعبه الذي يعيش على تلك الأرض منذ الازل وتوفير وتأمين الإمكانات المادية لكل طالب الى ان ينتهي من دراسته وبهذه الوسيلة سينمو لديه الإحساس بالمسؤولية التي تقع عليه، ينبغي فتح مدارس مهنية بحيث يكون كل متخرج متخصصا في عمله وتولّد أيد عاملة متخصصة في مهنتها.
رابعا – تحديث الطب، كانت لنا شهره في الطب ومستوى الأطباء، ولكن أكثرهم هاجروا إلى خارج البلد ولذلك يجب أن تكون هناك خطة ومشروع لإعادة هؤلاء إلى وطنهم لإضفاء أهمية على قطاع الصحة، وفتح المدارس المهنية الطبية الوسطية بشكل واسع وتحديث نظام متابعة المستشفيات الخاصة بشكل مستمر،
خامسا -الانتماء الى وظائف الدولة يجب ان يكون هناك امتحان عام للكفاءة دون التوسّل إلى اتباع سبل الوساطات والمحسوبيات.
سادسا-تأسيس حكومة تكنوقراط مؤقتا الى ان تستقر الأوضاع وتنفّذ القوانين بحرفيتها وتدور عجلة المشاريع.
سابعا – إعطاء الاولوية للمحاكم التنفيذية والقضاء المستقل لضمان الاستقلال في الأحكام والقرارات.
ثامنا -أن يكون الأمن الداخلي بيد الشرطة والحدود بيد الجيش والغاء جميع الميليشيات ومصادرة أسلحتهم وان تكون خدمة الجيش إلزاميا لكي يتكون الجيش من كل انسان عراقي بالتساوي.
تاسعا – أن نحافظ على علاقتنا الطبيعية مع دول الجوار وبقية أنحاء العالم، لقد خضنا التجربة سابقاً وأدركنا بما فيها الكفاية بأن الحروب والصدام والانتقام لا تولّد إلا الخراب ونسلا بعيدا عن الحضارة.
عاشرا -إلغاء قانون التقاعد الجديد لأنه قانون مجحف وعشوائي وضع بصيغة غير مدروسة وإلغاء أجهزة الحماية إلا على نطاق ضيّق. وتعديل قانون التقاعد للمسؤولين الذين استغلوا مناصبهم من أجل رفع راتبهم التي لا يستحقونها، وأن تنضّم الحقوق التقاعدية وفق قوانين حضارية.
أحد عشر-أنتم خرجتم من اجل الانسان العراقي فلنقل لكل إنسان عراقي الجنسية وعراقي الأصل بأن له حق العمل في الجنوب او في الشمال من وطننا العزيز وألا يكون هناك فرق في التعيين او في المناصب او إدارة الدولة حسب اللغة أو النسب والانتماء الحزبي.
ثاني عشر-يجب ان لا يكون هناك أي تحفظ في احياء أية مراسيم إن كان دينية أو تقليدية أو عدم الحد من إقامة الاحتفالات أو المهرجانات أيّا كانت مسبباتها.
دعوني ألفت النظر الى انه “لا وطن مع المندسّين ولا وطن مع الفاسدين ولا وطن مع المحتلين، فهلمّوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله وألا نحب الا الوطن وأن نحافظ على العراق بكل تعقل وحنكة وإلا ضاع ما نريد، وما نريده هو الوطن. الوطن العراقي يكفي كل العراقيين.
—
مجلة قارداشلق الصادر في اسطنبول العدد 85